[أليسار - أميرة من الساحل السورية ابنة « متّان » الأول ملك صور 850-821ق.م ووالد « بيجماليون » حين شعر « متان » بدنو أجله أوصى أن تشترك « أليسار » في الحكم مع أخيها بيجماليون , لما كانت عليه من حدة ذكاء ,وقوة ارادة , ودهاء سياسي , اما « بيجماليون » فهو الاسم الاغريقي للاله السوري - الفينيقي الجميل « بومباي » ,وهو اله ساحلي بحري انتشرت عبادته في مساحة جغرافية شكلُها مثلث قائم الزاوية , يبدأ من اللاذقية إلى قبرص ثم إلى صور, و « بيجماليون » هذا اسمه في المصادر الاغريقية pygmalion كان ملكاً على جزيرة قبرص , وكان نحاتاً بارعاً قضى شطراً من حياته عازباً يبحث عن الحب , إلى أن صنع تمثالاً عاجياً لامرأة عارية جميلة فأسقط حبه للمرأة على هذا التمثال الذي احيته له « افروديت » استجابة لابتهالاته , فكانت « غالاتيا » التي تزوجها وولدت منه « بوفاس » مؤسس مدينة « بافوس » القبرصية التي حملت اسمه , وقد صار « بيجماليون » النحات وحبه للمرأة التي صنعها موضوعاً اثيراً لدى فناني النهضة والباروك , ومنهم « بوشيه »و« فالكونيه » .
- تكنى « بيجماليون » الامير السوري- الساحلي فيما بعد بهذا الاسم ورفض أن تشاركه اميرة الحكم وشاركه الشعب في ذلك , فرضخت « أليسار » للامر الواقع وتزوجت « زيكار - بعل » كاهن الاله « ملقرت » في صور , وكان في الوقت نفسه عمها , وهو يعرف في المصادر الاغريقية باسم« اسربال ,او سيشربال » .
- طمع « بيجماليون » بثروة عمه , وزوج اخته , الهائلة , كاهن الاله « ملقرت » لان « ملقرت » تبوأ رئاسة مجمع آلهة الساحل حوالي القرن العاشر قبل الميلاد , وقد امتدت عبادته على طول الساحل حتى اوغاريت وقد تردد اسمه كثيراً في نصوصها ومثيولوجيتها , وكان يقام له في ربيع كل عام عيد كبير يعرف باسم « بعث ملقارت » يدوم خمسة ايام , وكانت الغاية من هذا العيد اعادة بعث الحياة في هذا الاله بواسطة النار , وكانت معابده منتشرة ليس على طول الساحل السوري فقط , بل في جميع المستوطنات الفينيقية في حوض البحر الابيض المتوسط حتى وصلت إلى جانبي «جبل طارق ».
كرّس له « احيرام » ملك صور معبداً خاصاً , وكان ملوك « صور » يتبارون في تمجيده وتقديم النذور له , وظهر رسمه على نقود مدينة « صور » في القرن الخامس قبل الميلاد , وقد صوروه بوجه ملتح يخترق الأمواج على ظهر حصان البحر , لذلك ليس غريباً أن يطمع « بيجماليون » بالثروة الهائلة لهذا الكاهن , فعمد إلى قتله ليحصل عليها .
عاشت أليسار فترة من الزمن غير عالمة بمقتل زوجها إلى أن قرر أخوها اغتيالها ايضاً , فظهر لها شبح زوجها في الحلم وأعلمها بما فعل أخوها وبنيّاته السيئة نحوها , ونصحها بأن تهرب مع كنوزها فهربت « أليسار » , خلسة مصطحبة معها جميع الكنوز , وحاشية مؤلفة من خيرة العائلات المخلصة لذكرى زوجها , كاهن ملقارت .
ابحر المهاجرون إلى قبرص , و وافق كاهن عشتروت على مرافقتهم لقاء الحصول على رئاسة الكهنوت بصورة وراثية في عائلته , واصطحب الموكب معه ثمانين فتاة من مختلف المناطق الساحية ليقمن بدور العذارى المقدسات , ويؤمن استمرارية الطقوس الدينية لتقاليد الساحل السوري .
عند وصول أليسار وجماعتها إلى الشاطىء الافريقي , رحب بهم وفد من سكان السواحل السوريي الاصل « الفينيقيون » والمقيمين في « اوتيكا » يصحبهم جماعة من السكان الاصليين .
وانشأ المهاجرون مدينة جديدة سموها « قرت - جدة » اي«القرية - الجديدة » ثم ادغم هذا الاسم وصار فيما بعد في التاريخ « قرطاجة » ثم « قرطاج » .
تغنّى « فرجيل » بقصة « أليسار » واطلق على هذه الأميرة اسم « ديدو - أو ديدون » وتروي « إنياذته » قصة طريقة وعجيبة عن دهاء وحنكة هذه الأميرة السورية , مفادها أن « أليسار » عندما هبطت إلى الارض طلبت من السكان المحليين أن يهبوها قطعة أرض مساحتها جلد بقرة , وبعد أن وافق السكان على طلبها هذا , اتت بجلد البقرة وقصته شرائط رفيعة جداً , ثم وصلتها فحصلت على حبل يبلغ من الطول ما يكفي لاحاطة مساحة كافية لبناء مدينة كاملة , فأنشأت قرطاجة التي سرعان ما ازدهرت , وقد حسدها ملك الشعب الصحراوي « لابراس » وطلب يدها ليتزوجها , لكنها أصرت على الوفاء لذكرى زوجها الأول , وعندما هددها آثرت الانتحار ملقية نفسها في المحرقة بين اللهب , وقد هزت تضحيتها هذه الشعب , فرفعها إلى مصاف الآلهة , وأقيم لها معبد قرب المرفأ واقترن اسمها باسم افروديت وعشتروت , اما « فرجيل » فقد تجاهل التوقيت التاريخي والفاصل الزمني بين سقوط طروادة وتأسيس قرطاجة وهو 300 سنة ونسج اسطورة تربط بين ديدون و تأسيس روما , اذ جعل اينياس البطل الطروادي الهارب وأحد اقطاب مؤسسي روما يحط مراسيه في قرطاجة وتنشأ بينه وبين « ديدون » علاقة حب اغتاظ لها « لارباس » فدعا الالهة أن تصرفه من طريقه فأمرت « اينياس » بالرحيل وهكذا غادرت قرطاجة دون اذن من « ديدون » فانتحرت عندئذ .
دخلت أسطورة « أليسار » السورية , ابنة الساحل البارة وجدان الفنانين في عصر الكلاسيك الحديث, فاتخذ من اسطورتها الفنان« برنارسيس غورين »في القرن التاسع عشر موضوع لوحة جميلة له , وقد شكلت هذه اللوحة إحدى موضوعات صورة الغلاف .
يقول التاريخ أن قرطاجة تأسست عام 914 ق.م في موقع غير بعيد عن تونس , العاصمة الحالية لدولة تونس , لكن التاريخ الحقيقي لتأسيس هذه المدينة ما يزال موضع نقاش , اذ لم يعثر فيها على أي أثر سابق لعام 750 ق.م .
كانت قرطاجة على اتصالات دائمة مع صور , المدينة الأم , وقد ظلت مدة تدفع حصة لمعبد ملقارت الصوري لكن انحطاط صور وتدميرها عام 332 ق.م على يد الإسكندر , أنهت تبعية قرطاجة لهذه المدينة , وبدأت تفرض سيطرتها على المستوطنات الفينيقية في غربي البحر الأبيض المتوسط حتى امتدت سلتها إلى جزيرة كورسيكا« 535 ق.م » وازدهرت تجارتها في شواطىء اسبانيا« القرن السادس والخامس ق.م » وجزر الباليرو وسردينيا .
بدءاً من القرن الخامس قبل الميلاد , شرعت قرطاجة تنطوي على نفسها واستبدلت بتوسعها التجاري البحري توسعاً زراعياً داخلياً , ثم اشتبكت في حروب دامية مع اليونان دامت أكثر من قرن , عرفت في التاريخ باسم « حروب قرطاجة » وانتهت بتدمير قرطاجة كلياً عام 146 ق.م وازالتها من الوجود بصورة وحشية جداً