النظام الشمولي :
هو نظام دكتاتوري من اصعب الدكتاتوريات التي واجهتها البشرية نظرا للقمع والتعذيب والايديولوجية الشاملة التي أرادت تطبيقها في شتى مجالات الحياة.
اركان النظام الشمولي:
1- فرض عقيدة واحدة على جميع أفراد الشعب وعلى الجميع السير حسب هذه العقيدة سواء في التعليم أو النظام الاجتماعي وغيرها.
2- الدعوة الى نظام صارم شبه عسكري وعلى الجميع التقيد بهذا النظام ,(مثلا دعي الطلاب الى ارتداء لباس موحد والوقوف في طوابير صحيحة وانشاد النشيد الوطني واجراء تمرين صباحي شبه عسكري)
3- أمنت العقيدة الشمولية اقتصاديا بوجود قطاع عام على أن تكون الدولة مالكة للمشاريع الكبرى – مع السماح بوجود قطاع خاص فردي ولكن الدولة هي الموجه الرئيسي للاقتصاد.
4- دعا النظام الشمولي الى حكم زعيم واحد صلاحياته غير مقيدة يطيعه الشعب طاعة عمياء.
5- حكم حزب واحد فقط (مثل الحزب الفاشي او النازي او الشيوعي) .هذا الحزب هو الذي يضع ويرسم السياسة التي تسير عليها الحكومة ,رئيس الحزب هو رئيس الدولة ,الزعيم.
6- معارضة الديمقراطية القائمة على حرية الرأي, حرية الصحافة والتعددية الحزبية. الديمقراطية والتعددية تؤديان الى انقسام الأمة وضد سياسة طاعة الزعيم.
7- النظام الشمولي يضع مصلحة الدولة فوق مصلحة الفرد حيث يقول أن كل شيء من أجل الدولة ولا شيء ضد الدولة , وعلى الفرد أن يضحي حتى بالحياة من أجلها .
8- النظام الشمولي هو نظام قمع بوليسي ويعتمد على جهاز المخابرات لقمع الحريات أو أي نقد أو معارضة للنظام .(يجب الاشارة الى الفرق بين النظام الشمولي القائم كله على التعصب القومي والنظام الشمولي الاشتراكي الماركسي ).
نماذج على الأنظمة الشمولية :
النظام الفاشي في ايطاليا 1922-1945 :
الفاشية هي حركة قومية سياسية قامت في ايطاليا , زعيمها بنيتو موسوليني, نشأت هذه الحركة في مدينة ميلانو شمال غرب ايطاليا 1919 ,اتخدت الحركة هذا الاسم من الاسم فاشيو facio وهو اسم كان يطلقه الرومان في الماضي على رزمة من العصي مربوطة في الوسط يحملها الجندي في مواكب النصر , يتوسط العصي فأس وهي رمز الاتحاد والقوة وهذا دليل على ان الحركة تريد اعادة العظمة الى ايطاليا كي تحل محل خيبة الأمل والانقسام وشعور الاحباط الذي خيم على الايطاليين بعد الحرب العالمية الاولى. تحولت الحركة الى حزب وتكونت من عدة فئات ,كان القاسم المشترك بينها خيبة الأمل من نتائج الحرب وما حصلت عليه ايطاليا في مؤتمر فرساي 1919 مثل العمال العاطلين عن العمل الذين عارضوا نظام حكم الرأسماليين , الجنود المسرحين الذين لم يجدوا لهم عملا ,رجال الصناعات العسكرية الذين ارادوا الاستفادة من تطوير الجيش الايطالي والصناعة العسكرية الايطالية , والعناصر الغوغانية الفوضاوية التي تندس بين المتظاهرين من أجل القيام بأعمال سرقة ونهب مستغلة الفوضى أثناء المظاهرات .
مبادىء( الايديولوجية) الفاشية :
1- اهم مبدأ في الفاشية هو التعصب القومي الى درجة نبذ وكره شعوب اخرى والتنكر لحقوقها , هي حركة يمينية متطرفة في اقصى اليمين .
2- الفاشية تؤمن بالقوة اي ان يكون الحكم للاقوى, وعدم تساوي الافراد من حيث الصفات والقدرات , تؤمن بالاستعمار اي سيطرة شعب قوي على شعب ضعيف من منطلق الايمان بنظرة صراع البقاء في العالم وفي هذا الصراع البقاء للاقوى والضعيف يضمحل ويفنى .
3- تؤمن الفاشية كذلك بوحدة الشعب وتماسكه , وتدعو الى التعايش بين الطبقات والوفاق بينها والتعايش السلمي بين كل افراد الشعب , ونبذ الصراع بين طبقة الاغنياء اصحاب العمل والعمال الفقراء. لذا فهي تعارض الاضرابات العمالية ولهذا دعت الى انشاء جبهات عمل يمثل فيها العمال واصحاب العمل بهدف التوفيق بين المطالب المختلفة . هدف هذه الجبهات منع تفكك الامة . جبهات العمل تقترح مرشحين للبرلمان الفاشي بحيث يكون الاعضاء يؤمنون بالمبادىء الفاشية .
4- تدعو الفاشية الى حكم زعيم واحد واطاعته طاعة عمياء . فموسوليني مؤسس الحزب تأثر بكتاب "الأمير" الذي وضع على يد ميكيافيلي احد الفلاسفة الايطاليين. ادعى فيه ان الحاكم الامير هو الذي يعرف مصلحة الدولة ويميز بين الفضيلة والرذيلة. لهذا يجب اعطاءه صلاحيات حكم مطلقة حتى يطبق الفضيلة ويحقق مصلحة الامة. أطلق موسوليني على نفسه لقب الزعيم "Doche " دوتشي .
5- دعت الفاشية الى حكم حزب واحد يسيطر على الصحافة يرسم السياسة الخارجية والسياسة الداخلية ويحكم الشعب والحكومة تكون وسيلة لتنفيد هذه السياسة .
6- من ناحية اقتصادية يؤمن النظام الفاشي بالاقتصاد المركزي وتملك الدولة للمشاريع الكبرى.
7- الدولة تسيطر وتوجه برامج التعليم وتمنع اي افكار تتناقض مع مفاهيم الفاشية.
صعود الحزب الفاشي الى السلطة 1922 :
الظروف المباشرة التي ادت الى صعود الفاشيين الى الحكم: في 30-10-1922 اصبح موسوليني رئيس وزراء ايطاليا كأول زعيم فاشي بعد 3 سنوات فقط من تأسيس الحزب الفاشي في ميلانو سنة 1919 يجعلنا نتساءل كيف نجح هذا الحزب في الوصول الى السلطة خلال فترة قصيرة من تأسيسه؟ هناك ظروف مباشرة هي :
ايطاليا شهدت اعمال عنف بين الفاشيين والشيوعيين بشكل خاص (بين 1919-1922) . حدثت صدامات في الشوارع وازدادت الاغتيالات السياسية . الحزب الفاشي الف ميليشيا شبه عسكرية كان يرتدي أفرادها القمصان السوداء وذلك لمحاربة ما اسموه "الخطر الاحمر" اي الشيوعيين . الشيوعيون كانوا حزبا قويا جدا في ايطاليا . المراقبون اعتقدوا ان ايطاليا ستكون الدولة الشيوعية التالية بعد الاتحاد السوفياتي . الشيوعيون خططوا لاضراب عمالي شامل وهذا اخاف اوساط رأس المال فطلب هؤلاء من الملك منع الاضراب كما طلب رئيس الوزراء فاكتا اعلان حالة الطوارىء في البلاد. رفض الملك هذا الطلب فاستقال رئيس الوزراء وقام الملك بتعيين موسوليني رئيسا للوزراء مكانه بضغط من الجيش واصحاب الصناعات الكبرى , كما زحف انصار موسوليني من ميلانو في مظاهرة ضخمة ضمت حوالي 50 الف من مؤيديه جاءوا بالقطارات الى روما . هذه الظروف جعلت الملك الايطالي يلقي مهمة رئاسة الحكومة على موسوليني .هذه هي الظروف المباشرة التي أدت الى تولي موسوليني المنصب في 30-10-1922 .
اما الاسباب غير المباشرة :
1- خيبة أمل القوميون الايطاليين من المكاسب التي حصلت عليها ايطاليا بعد الحرب العالمية الاولى خاصة فيما يتعلق بالمستعمرات الألمانية والعثمانية السابقة .
2- الأزمات الاقتصادية الناتجة عن خسائر الحرب العالمية الاولى. تخلف الزراعة الايطالية خاصة في الجنوب ,وضعف الاقتصاد الايطالي .
خروج مئات الالاف من الجنود الايطاليين الى سوق البطالة بعد تسريحهم من الجيش ولم يجد هؤلاء عملا لهم وازدادت البطالة وحدث غلاء في المواد الغذائية وتضخم مالي . الشعب الايطالي اراد حلولا سريعة لهذه المشاكل .
3- كثرت الأحزاب في ايطاليا وكان من الصعب أن تبقى الحكومات في الحكم لمدة طويلة, تقلبت الحكومات بسرعة مما ولد لدى الشعب شعورا بعدم الاستقرار السياسي الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب قسم المجتمع الايطالي الى قسمين رئيسيين متطرفين:
1- الشيوعيون الذين ازدادت قوتهم في أقصى اليسار.
2- الحزب الفاشي في أقصى اليمين .
حدثت بين هذه الفئات مصادمات مستمرة وازداد العنف واعمال الأجرام والفوضى السياسية. الشعب الايطالي كان بحاجة الى منقذ, الى سلطة قوية تعمل على اصلاح الاقتصاد وتعيد الامن والاستقرار الى البلاد.
هكذا نفسر قبول الشعب الايطالي حكم الحزب الفاشي بزعامة موسوليني .
سياسة موسوليني الداخلية :
1- اقتصاديا : علم موسوليني وأدرك ان بقاءه في الحكم مشروط بتحسين الوضع الاقتصادي . لهذا بادر حكمه الى تطبيق مشاريع عمرانية ضخمة تشمل بناء الأبنية العامة الضخمة التي تتطلب ايدي عاملة كبيرة . وقام بتوسع الطرق وبناء الجسور, وحسن الزراعة خاصة في المناطق الجنوبية. هذه المشاريع ادت الى انتعاش الاقتصاد وتقليل البطالة,هذا كان أكبر عامل وأكبر انجاز ساعد موسوليني على البقاء في الحكم .
2- في المجال السياسي : بدأ الفاشيون بتطبيق ايديولوجيتهم في بناء النظام الشمولي , فقاموا ب :
أ – ملاحقة الشيوعيين ووضعهم في السجون أو مصادرة ممتلكاتهم وتعذيبهم .
ب- سيطروا على الصحف وقيدوا حريتها .
ج- حل الأحزاب والسماح بنشاط الحزب الفاشي فقط .
د- انشاء جبهات عمل بحيث يمثل في كل جبهة العمال واصحاب العمل والحكومة, ووظيفة هذه الجبهة حل المشاكل في مجال الأجور وشروط العمل ومنع الاضراب تماما واقتراح المرشحين للبرلمان خاصة من بين أنصار الفكر الفاشي .
اتفاقية اللاتيران 1929 :
عقدت بين موسوليني والبابا زعيم الكنيسة الكاثوليكية . وذلك لحل النزاع بين الدولة الايطالية والبابا . الخلاف بين البابا والدولة الايطالية كان قائما منذ 1870 وهي سنة توحيد ايطاليا وتحويل روما عاصمة لها بعد أن كانت عاصمة الدولة البابوية . اي أـن دولة ايطاليا ألغت دولة البابا واستقلاله وعاصمته , وصادرت أملاكه . بابا روما لم يعترف بالوحدة الايطالية ولا أن تكون روما عاصمتها كما لم يعترف بملوك ال سافوي ملوكا عليها. البابا حبس نفسه ولم يخرج من روما منذ سنة 1870- 1929. موسوليني أدرك ان الشعب الايطالي شعب مؤمن ويكن احترام كبيرا للبابا وانه اذا تصالح معه سيكسب ود الشعب الايطالي ومحبته , لذلك وقع معه اتفاقية "اللاتيران " ومفادها :
1- الاعتراف المتبادل بين الطرفين : ايطاليا والبابا.
2- انشاء دولة الفاتيكان في ضاحية من ضواحي روما تحت سيادة البابا.
3- تبادل العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين على مستوى السفراء .
4- تم تعويض البابا عن ممتلكاته التي خسرها خلال التوحيد بمبلغ 90 مليون دولار .
5- الاعتراف بالمذهب الكاثوليكي مذهبا رئيسيا في ايطاليا .
6- الاعتراف بروما عاصمة ايطاليا وملوك سافوي ملوكا عليها .
7- ادخال البرنامج الديني في منهاج التعليم الايطالي .
دولة الفاتيكان لا تزال قائمة حتى اليوم ولها سفراء في الخارج كل سفير يسمى "قاصد رسولي ". دولة الفاتيكان ليست عضو في الامم المتحدة لانها لا تريد ان تتدخل في السياسة . لغتها الرسمية هي اللاتينية لانها اللغة التي كانت مستعملة في عهد الامبراطورية الرومانية المقدسة القديمة .
سياسة موسوليني الخارجية :
في البداية ركز موسوليني اهتمامه على النواحي الداخلية فظهر كانسان مسالم , لكن في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات أخذ يطلق تصريحات تعبر عن أطماعه في التوسع . فقد قال :" البحر المتوسط يجب أن يكون بحرا داخليا ايطاليا وتحت نفود ايطاليا " . ثم أنه أخذ يدعو لاحتلال الحبشة خاصة ان ايطاليا حاولت احتلال الحبشة منذ سنة 1895 وفشلت في حينه . في الثلاثينات بدأ التقارب بين النظام الفاشي الايطالي والنازي الألماني . وتم تبادل زيارات بين هتلر وموسوليني .ازداد التقارب السياسي وتوحدت المواقف من الازمات الدولية . مثلا ألمانيا ايدت احتلال ايطاليا للحبشة سنة 1935, بالمقابل ايطاليا أيدت اجراء تعديلات في معاهدة فرساي المذلة للألمان بما فيه ازالة القيود العسكرية واعادة تسليح المانيا , واستعادة المانيا لاقليم السوديت من تشيكوسلوفاكيا . وكذلك اتفق البلدان على دعم اليمين الفاشي في احتياجاتة بزعامة فرانكو بين سنوات 1936-1939 واعطاء فرانكو السلاح والدعم المادي الأخر. في نهاية الأمر انتهى التقارب بعقد تحالف بين النظامين قبيل الحرب العالمية الثانية . ولما اندلعت الحرب انضمت ايطاليا الى جانب الألمان . هكذا ربطت ايطاليا مصيرها بمصير المانيا وفي سنة 1943 دخل الحلفاء الى جنوب ايطاليا وتم اعتقال موسوليني ,لكن وحدة مظلين ألمان هاجمت السجن وأطلقت سراحه , لكن في نيسان 1945 قبض عليه ثانية وأعدم ودفن في مكان مجهول لا يعرف مكانه الى اليوم حتى لا يصبح قبره مزارا لأتباعه فيما بعد .