رسالة إلى غزة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختي غزة العزة ...
تجاذبتني أمواجٌ من المشاعر, عندما خَطَرت ببالي تلك الأيام المُزهرة التي قضيناها معاً, في ظل شجرة الزيتون الخضراء حيث كان جدي يحكي لنا قصص الأمجاد والعروبة ..
وسرعان ما ألمح خلف الجفون ثوب جدتي المرقع والذي كلما ازداد خروقاً أصرت جدتي بإبرتها المُقاومة، أن تخيط معالم الفرقة فيه, ليحيى متماسكاً متعالياً على كل ألوان الألم.
وفي شريط الذكريات ... أرى غبارَ القمح المتطاير في الهواء، وأرى كيف أن حبات القمح الذهبية تسقط على وجه الأرض ،؛ لتزرع في نفوسنا ..أن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض !!!
جميلة تلك الأيام يا أختي العظيمة حين أطلقت علينا أمنا فلسطين أسماءً ...
فأنت غزة العزة ...
وأنا الضفة الحانية الرقيقة...
وذاك الجليل ....وتلك القدس ....وذاك المثلث ...وتلك النقب...
أخيتي...ما أروع تلك اللحظات التي كنا نحيا بها معاً..... فتارة تزورينني وتارة أزورك , دون أن يكون أمامنا عقباتٌ وعثرات ... دون أن يكون في الطريق أفاعي تلدغ وكلابٌ تنبح!!!!
جميلةٌ تلك الأيام التي كنت تكرمينا بها بأسماك بحرك الناصع البياض كبياض سريرتك......
وكنا بدورنا نبعث إليك عنباً وعنابا...دون أن يكون بيننا أسلاك شائكة.....
وجدر محصنة جعلت المغرب بعد الظهيرة ....حين غابت أشعتك عني يا غزة....
أخيتي يا من أنا قطعة منك وأنت قطعة مني ..
أشتاق إليك ... لكن القيود كبلت فيّ وفيك معالم الحرية ، فأنا اليوم مقطّعة الأوصال محاصرة .....
جسدي بقعٌ من الأحزان...
فجنين تشتاق لنابلس ونابلس تشتاق لطولكرم ...
والخليل ,,,وما أدراك ما الخليل... حيث الآلام تسري في شوارعها كأنها الموت الزؤام.
مكبلة أنا يا أختي و مكلومة..... أتمنى لو أراك لأضمك وأختلف في حناياك فتمسحين عن خدي دمعة فاضت من بركان شوقي إليك..............
أعلم يا غاليتي أنك الآن تأنين.. وتكفيك أوجاعك لأحدثك عن أوجاعي....وأعلم أن القيد أدمى معصميك وقد أبكيت عيون البحر عليك......
واعلم كذلك أن ذرّات الهواء التي تدب الحياة في أرجائك وتذكرك بكل ما هو مجيد محسوبةٌ عليك!!!!!
لكن يا أختي لا تبكي ... ولماذا تبكين يا غزة؟
فأنت أول بقعة على وجه هذه الأرض قد ذاقت معنى الحرية ....فعن ترابك الطهور رحل اليهود .... وعن محياك الجميل غربت شمس الفسّاق.....بعدما سكنك من كانوا لله وللجنة عشّاق.....
أتبكين يا غزة , وفيك معقل الأسود ... وبين أحشائك الدرر... من سكنوا خلايا الأرض واخترقوا مسامات القلوب...قادة الأموات والأحياء ...شهداء العز والكرامة ......
أم تبكين يا غزة وقد علّمت يهود بأنّ للموت حقلا.. وأنّ للانفجار نذير......
أم تبكين لأنّ على أهداب عينيك عيونٌ ساهرةٌ ...تحمي الوطن وتسترخص النفس والمال والولد....
أم تبكين يا غزة لأنّ أبناءك الأحياء حجزوا مقاعد في الجنة..........
حينما ادخروا هنالك أعضاءهم !!!
أم تبكين لأن نساءك أعدن للذاكرة سيرة, زينب وفاطمة وخولة وسمية....
أم تبكين لأنّ لديك أطفالاً أدركوا مالم يدركه سائر البشر حينما تجرؤوا وحملوا على أكتافهم نعوش الإنسانية والنخوة والعروبة والضمير العالمي .....وألقوها في مقابر جماعية!!
أم تبكين يا غزة لأنّ راية لا إله إلا الله مرفوعة فوق قممك ...حرة طليقة!!!
لا..........
لا تحزني يا غزتي إن فرضوا على حريتك الحصار..... وأثبتي لهم أنك قويةً عصية على الركوع والانكسار ... فجذورك الياسين و الرنتيسي وزهورك هنية والزهّار....
ولا تحزني إن قطعوا عنك الوقود... فشبابك وشيوخك ودموعك ودماؤك يا غزة ...نور يضيء الكون .. نارٌ على الكفار....
أخيتي الحبيبة غزة أحببناك....
و حفرنا اسمك على الصخور الصماء في جبال نابلس والجليل ...
وعلى أوراق العنب في الخليل...
وعلى جدران المخيمات في كل فلسطين والشتات..
وعلى قطع الجليد في المحيطات......
وحفرنا غزة في القلب على الحجرات....
فإن فتت رياح الشتاء الصخور ....وأسقط الخريف الأوراق....وأذاب الصيف صلابة الجليد ....فتأكدي أنك ستبقين في قلوبنا مزهرةً كزهر الربيع!!!!
أيا غزة العزة ...
أيا حباً سكن الروح..... أيا أملا ملأ الكون......
أيا صدقاً أنهى الكذب...
أيا قطرًا أحيا ورداً فوق الدرب ...
يا بريقاً من مرجان سَكن محاراً.... ساكن في أعماق القلب ....
يا ليلاً هادئ....يا فجراً باسم...
يا للإخاء كله....يا كل الذكريات...
أشتاق إليك ولكن.......
أعداء الإنسانية كل يومٍ يحاولون أن ينأون بجسدي إلى الخلف عنك رغم أنّ روحي إلى الأمام... تسوق أقدامها إليك ...محاولين بذلك أن لا يعيدوا اللحمة للجسد الممزق وللإخوة المتفرقين...
فبيت لحم تشتاق لنسيم البحر على ضفاف عكا...
وغزة تشتاق لبرتقال يافا...
وفي كل يوم تحدق بعينيها جنين في الناصرة القريبة المبعدة عنها وكأنها قطعة من كوكب آخر!!!
وهناك....خلف الأسوار ..... حيث بح الأنين وسالت دموع الحالمين... حيث عشق الحياة و سر الوجود...هنالك في القدس الحزينة التي ديست أحلامها كأنه حبات الزيتون تحت
حجر المعصرة القاسي ....هنالك الآلام الحارقة... والدموع الساخنة...هنالك الأوجاع يا غزة ..
بعد كل ذلك أتبكين يا غزة .....؟!!!!
أم هي دموع فرحة العائدين المنصورين ....لم أعد افهم معنى دموعك يا غزة!!!!!!
يا غزتي ارفعي للسماء عالياً يداك......وادعي
لإخوانك .... في الضفة المجروحة التي تحكمت بها غربان الليل السوداء ....فجعلت النّهار ليلاً ...والليل حالك الظلام....وأصبحت كلمة التوحيد ...تهمةً تستوجب الإعدام...
وادعي للجليل ....الباكي المهجّر عن كل معاني الوطن...
وادعي للمثلث الذي كسرت أضلاعه ...فلم يعد يقوى على الحراك....
وداعي لصفدٍ و الرملة والّلد وعكا وحيفا ويافا.... واللواتي من دموعهنَ فاض البحر !!!!
وادعي للنقب المحروقة بنار الهجر والبعد والدمار .....
وادعي يا غزة للبحر الميت أن يعيش بعدما جفت منه معالم الحياة....
وادعي للقدس الأسيرة...أن ترتدي ثوبها اللؤلؤي ...لتعلن للكون أنها عروس الحرية....
شدي العزم يا غزة ..
وهلمي إلينا بجيشٍ قسّاميٍ جرار...لتفكي القيد وتجففي الدمع... و لتحيى فلسطين كل فلسطين ....ونعيد الذكريات...ونتحدث عن حواديت جدي ....
واعلمي يا توأم الروح يا غزة أنّ...
الأيادي عن الدعاء ما كلت...
وأنّ الأرواح عن الوصال ما ملت....
وأنّ القلوب عن حبك ما تخلت....
دمتي بعزٍ ...والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أختك المحاصرة المشتاقة.....الضفة الغربية....