1- على ضوء مفهومنا للحرب النفسية المذكور في أعلاه يصبح الإعلام أحد أهم الأدوات الميسورة للحرب النفسية، حيث الاستخدام المنظم لوسائله ومواده للتأثير على قناعات الطرف المستهدف، دون تجاوز استخدامات القوة العسكرية والإمكانيات الاقتصادية والتحركات السياسية وغيرها، لكن الإعلام من ناحية أخرى يتميز عن كل تلك الأدوات كونه القاسم المشترك لها جميعا والناقل الأساس لأهدافها وتوجهاتها في التأثير على الطرف المستهدف لأنه :
آ) هو الذي ينقل أخبار العسكر وتفاصيل الحروب بصيغ تزيد المعنويات أو تضعفها.
ب) وهو الذي يقلل من قيمة انتصار عسكري حصل بالفعل، أو يزيد من وقع خسارة لم تكن كبيرة في الواقع بغية تكوين حالة إحباط مؤلمة.
ج) وهو الذي يهول أيضا من أثر الحصار الاقتصادي على بلد ما بهدف سحبه لتنفيذ أهداف محددة.
د) وهو الذي يضخم كذلك من القدرة الدبلوماسية لدولة معينة لإجبار الآخرين على السير مع توجهاتها المرسومة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله مهامه وطريقته في نقل الأفكار والأخبار والمعلومات، وحاجة الجمهور إليه في المتابعة والترويج وإشباع الحاجات، وكذلك قدرته وشموليته في التأثير، يكون الإعلام في هذه الحالة الأداة الأكثر فاعلية من بين أدوات ووسائل الحرب النفسية المتاحة في وقتنا الراهن خاصة مع تطور تقنيات التوصيل وسبل التأثير في نظام كوني شامل (النظام العالمي الجديد).
2- وإذا ما عدنا إلى موضوع الإعلام كأحد أدوات الحرب النفسية في النظام العالمي الجديد تبيين لنا بعض الحقائق ذات الصلة به أن وجوده أو بالمعنى الأدق غالبية وجوده الفاعل بات بيد واحدة (القطب الواحد)، إذ إن:
آ) غالبية الشركات العملاقة (متعددة الجنسيات) للصحافة والبث التلفازي والأقمار الصناعية الناقلة للبث الفضائي موجودة في اليد الأمريكية التي أنشأت النظام العالمي الجديد.
ب) أساس عمل شبكة المعلومات (الانترنيت) أمريكي ورأس مالها أمريكي ومراكزها عبر العالم أمريكية، والقدرة على مراقبتها والتحكم بها في يد أمريكية تسعى لتعميم النظام العالمي الجديد.
ج) 80 % من الأنباء العالمية التي تتداولها وكالات الأنباء في الدول النامية مصدرها الوكالات الأمريكية الغربية القادرة على الفبركة والصياغة حسب توجهات النظام العالمي الجديد .
د) خمس عشرة شركة إعلامية أمريكية غربية تتحكم في المواد والوسائل والمؤسسات والتقنيات الإعلامية، والإعلانية في العالم. وأن 75 % من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التلفزيونية أمريكي. و 90 % من إجمالي الأخبار المصورة و 82 % من إنتاج المعدات الإعلانية والإليكترونية. و 90 % من المعلومات المخزنة في الحاسبات الإلكترونية جهد أمريكي.
هـ) رأس المال البالغ نحو (489) مليار دولار الذي يتحكم في سوق التقنية الإعلامية غالبيته أمريكي، يسعى أصحابه إلى استثماره للامتداد إلى السوق العالمي بدفع من النظام العالمي الجديد(
.
3- إن العرض الموجز لمفردات الإعلام والحرب النفسية وعلاقتهما بالنظام العالمي الجديد يدفع إلى جملة استنتاجات أهمها:
آ) إن الدول النامية وبينها العربية والإسلامية ينبغي أن تعيد الكثير من حساباتها فيما يتعلق بالعلاقات وأساليب التعامل مع شعوبها، والغير وبما ينسجم ومعطيات النظام الدولي الجديد.
ب) إن تقنيات الاتصال التي تتطور بسرعة مطردة لا تسمح بالتوجه للتعامل معها على أساس المنع والتشويش كإجراءات وقائية. بل يتطلب الواقع التوجه بكل القدرات المتاحة لأعمال الوقاية، أو ما يسمى بالتحصين النفسي الذي يتأسس على :
أولا: المحافظة على النظام القيمي.
ثانيا: زيادة مستويات التحصيل العلمي والثقافة العامة لعموم المجتمع.
ثالثا: رفع مستوى المعنويات والروح الوطنية للمجتمع.
ج) إن النظام العالمي الجديد وبعد أن أمتلك زمام المبادرة لم يعد مهتما كما في السابق بالحروب العسكرية التقليدية " رغم عدم الاستغناء عنها نهائيا " لكلفتها العالية وكثرة الخسائر البشرية فيها، واستعاض عنها بالحرب النفسية، الأكثر تأثيرا، والأقل خسارة من الناحيتين المادية والبشرية، ووجد في الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة الأداة الأكثر فاعلية.